الباحث/ خالد عمر أحمد سعيد
تحت إشراف
د. سعيد خالد جباري الشرعبي
أستاذ قانون المرافعات والنحو العربي
بكلية الشريعة والقانون – جامعة صنعاء
والمعهد العالي للقضاء
قال تعالى

شَهِدَ اللّهُ أَنَّهُ لاَ إِلَـهَ إِلاَّ هُوَ وَالْمَلاَئِكَةُ وَأُوْلُوا الْعِلْمِ قَآئِمَاً بِالْقِسْطِ لاَ إِلَـهَ إِلا هُو َالْعَزِيزُ الْحَكِيمُ) صدق الله العظيم
الإهداء
إلى:ـ
– روح والدتي الطاهرة، طيب الله ثراها.
– والدي، وجدي العزيزين اللذَّين مدا لي يد العون، ومنحاني صالح الدعوات، أطال الله عمريهما في طاعته.
– كل من أخذ بيدي حتى ارتقيت ذُرى العلم، وخطوت طريق النجاح.
– كل من يطلب العلم لينير الدروب، ويمحو ظلمة الجهل، والتخلف عن بلدي… اليمن.
– كل من بذل نفسه رخيصة في سبيل تحقيق العدالة، ورفع الظلم عن الناس.
الباحث
الشكر والتقدير
بعد شكر المولى عز وجلَّ على نعمه المسداة
أتقدم بالشكر الجزيل، والثناء الجميل لأستاذي الجليل
الدكتور/ سعيد خالد جباري الشرعبي
على منحه إياي وقته، وجهده، وخبرته، وعلمه، وتوجيهاته القيمة السديدة.
وأقدر ما أسداه من نصح صادق، وإرشاد هادف، وتوجيه قويم، مما كان له أطيب الأثر في حسن إخراج هذا البحث فجزاه الله عني، وعن طلبة العلم خير الجزاء، وجعل ذلك في ميزان حسناته.
الباحث
المقدمة
الحمد لله رب العالمين، والصلاة، والسلام على سيدنا محمد، وعلى آله، وصحبه أجمعين.
وبعد:
شروط الشهادة في الفقة الإسلامي والقوانين اليمنية – بحث ودراسة قانونية متميزة
أولاً:- تحديد الموضوع
كانت الشهادة ولا تزال أهم وسيلة من وسائل الإثبات، وأعظمها مكانة، وأقدمها استعمالاً، وذلك لما لها من مكانة رفيعة، ومنزلة عظيمة، في الشريعة الإسلامية.
فإن الله تعالى نسبها إلى نفسه، وشرّف بها ملائكته، ورسله، وأفاضل خلقه، وأمرنا جل وعلا بأدائها في أكثر من موضع في كتابه العزيز دستور الأمة الإسلامية القرآن الكريم.
قال تعالى

شَهِدَ اللّهُ أَنَّهُ لاَ إِلَـهَ إِلاَّ هُوَ وَالْمَلاَئِكَةُ وَأُوْلُوا الْعِلْمِ قَآئِمَاً بِالْقِسْطِ لاَ إِلَـهَ إِلا هُو َالْعَزِيزُ الْحَكِيمُ) ( )
وقال تعالى

فَكَيْفَ إِذَا جِئْنَا مِن كُلِّ أمَّةٍ بِشَهِيدٍ وَجِئْنَا بِكَ عَلَى هَـؤُلاء شَهِيدًا) ( )
وقال تعالى: (وَأَقِيمُوا الشَّهَادَةَ لِلَّهِ) ( )
وقال تعالى: (وَلاَ تَكْتُمُواْ الشَّهَادَةَ وَمَن يَكْتُمْهَا فَإِنَّهُ آثِمٌ قَلْبُهُ) ( )
ثانياً:- أهمية الموضوع
ولأهمية الشهادة باعتبارها من أهم أدلة الإثبات التي يعتمد عليها القضاة في أحكامهم، فبها تقام الحدود، وتصان الدماء، وتحفظ الأموال، وكافة الحقوق، لهذا جعلها الفقه الإسلامي، والقانون اليمني في المرتبة الأولى بين سائر وسائل الإثبات الأخرى، كما جعلاها ذات حجية شاملة في جميع الوقائع، والحوادث دون تفرقة بين حق وآخر، متى توفرت كافة شروطها المنصوص عليها في كتب الفقه الإسلامي، والقانون الوضعي.
ثالثاً:- أسباب اختيار الموضوع
هذا ولما كانت قيمة الشهادة، وحجيتها في الإثبات تتوقف على توفر شروطها، إذ أنه بانتفاء تلك الشروط، أو أحدها، لا يمكن أن تكون للشهادة أية قيمة تذكر، ولما استطاع القاضي أن يستعين بها في قضائه، الأمر الذي يؤدي إلى ضياع الحقوق عن أصحابها.
وبما أن أغلب الوقائع الجنائية تلعب الشهادة الدور الأكبر في إثباتها، فحرصاً على إنارة طريق العدالة، وإزالة العوائق التي قد تعترض سيرها، وقطع السبيل أمام الشهود الذين لا يراقبون الله فيما يدلون به من شهادات قد تؤدي إلى إعدام نفس بريئة، أو تبرئة مجرم خطير رغم كذبها وزوريتها، وحفاظاً على حقوق الناس، وأنفسهم، وأعراضهم، كان اختياري لهذا الموضوع (شروط الشهادة في الفقه الإسلامي والقانون اليمني).
إذ أن القاضي متى تأكد من توفر هذه الشروط قبل الحكم بالشهادة، كلما كان أقرب وصولاً إلى العدالة، ولما استطاع أي مجرم، أو ظالم، أو شاهد زور، مهما كان دهاؤه، أن يظللها أمامه أو ينحو بها عن منحاها الصحيح، وبالإضافة إلى قلة البحوث المتخصصة في مثل هذه الجزئيات المهمة، وعزوف كافة الزملاء عن التطرق لهذا الموضوع رغم أهميته البالغة في إثبات الدعاوى الجزائية والمدنية،الأمر الذي دفعني إلى الكتابة في هذا الموضوع بعد موافقة الأب الفاضل الدكتور/سعيد خالد الشرعبي المشرف على هذا البحث.
رابعاً:- أسلوب دراسة البحث
وقد ركزت في هذا البحث على الجانب الجنائي متبعاً في سبيل إنجازه الأسلوب المقارن معتمداً في ذلك على أهم المراجع الشرعية، والقانونية، المتعلقة بموضوع البحث، وأسأل الله التوفيق، فإن أحسنت وأصبت فمن الله، وإن أخطأت فمني، ومن الشيطان.
خامساً:- خطة دراسة البحث
المقدمة:-
المبحث التمهيدي:ـ ماهية الشهادة
الفروع الأول:ـ تعريف الشهادة
الفروع الثاني:ـ مشروعية الشهادة وحكم أدائها
المبحث الأول:ـ الشروط الواجب توفرها في الشاهد.
المبحث الثاني:ـ الشروط الواجب توفرها في ذات الشهادة.
المبحث الثالث:ـ الشروط الواجب توفرها في المشهود به.
المبحث الرابع:ـ الشروط الواجب توفرها في الشهادة على جرائم الحدود.
الخاتمة
المبحث التمهيدي ماهية الشهادة
نتناول في هذا المبحث التمهيدي ماهية الشهادة من حيث بيان تعريفها، ومشروعيتها، وحكم أدائها، وذلك في فرعين على النحو الأتي:ـ
الفرع الأول:ـ تعريف الشهادة.
الفرع الثاني:ـ مشروعية الشهادة وحكم أدائها.
الفرع الأول تعريف الشهادة
الشهادة في الدعوى الجنائية: وسيلة إثبات بمقتضاها يدلي الشاهد عادة بمعلوماته عما شاهده، أو سمعه، أو أدركه بحواسه عن واقعة معينة، أو ظروف خاصة بالجريمة، أو عن الجريمة برمتها أمام سلطة التحقيق، أو المحكمة الجزائية، أما الشهادة في اللغة فلها عدة معانٍ مختلفة، وكذا يختلف تعريفها في الفقه الإسلامي باختلاف مذاهب الفقهاء كما هو الحال كذلك في الفقه القانوني، وبيان ذلك على النحو التالي:ـ
أولاً:ـ الشهادة في اللغة.
للشهادة في اللغة معانٍ مختلفة هي
1- البيان أو الإخبار:ـ بمعنى الإعلام، والإخبار القاطع، أو القول الصادر عن علم حاصل بالمشاهدة( ) ومنه قوله تعالى: (شَهِدَ اللّهُ أَنَّهُ لاَ إِلَـهَ إِلاَّ هُوَ وَالْمَلاَئِكَةُ وَأُوْلُواْ الْعِلْمِ قَآئِمَاً بِالْقِسْطِ)( ) – أي بيّن وأعلم –
2- الحضور:ـ فالشهادة مصدر شهد من الشهود بمعنى الحضور( ) ومنه قوله تعالى: (وَلْيَشْهَدْ عَذَابَهُمَا طَائِفَةٌ مِّنَ الْمُؤْمِنِينَ) ( ) – أي يحضر ليشاهد-
3- الحلف أو اليمين:ـ ومنه قوله تعالى: (وَالَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْوَاجَهُمْ وَلَمْ يَكُن لَّهُمْ شُهَدَاء إِلَّا أَنفُسُهُمْ فَشَهَادَةُ أَحَدِهِمْ أَرْبَعُ شَهَادَاتٍ بِاللَّهِ إِنَّهُ لَمِنَ الصَّادِقِينَ) ( )
4- الإطلاع:ـ مثل قولك شهدت كذا وكذا أي أطلعت عليه، وعاينته.
5- الإدراك:ـ مثل قولك شهدت صلاة العيد – أي أدركتها-.
ثانياً:ـ الشهادة في الفقه الإسلامي
يعرفها الشافعية: بأنها (إخبار (الشاهد) بحق لغيره على غيره بلفظ مخصوص)( )
وعرفها المالكية: بأنها (قول هو بحيث يوجب، أو يتحتم بموجبه على الحاكم سماعه، والحكم بمقتضاه، إن عدل قائله مع تعدده أو حلف طالبه)( )
وعرفها الحنفية: بأنها (إخبار صادق لإثبات حق بلفظ الشهادة في مجلس القضاء)( )
ثالثاً:ـ الشهادة في الفقه القانوني
للشهادة في الفقه القانوني تعريفات عديدة تختلف في ألفاظها لكنها تتفق في مضمونها، ولهذا سنقتصر على إيراد تعريفين اثنين كونهما الأشمل، ولا يخرج ما سواهما عنهما.
الأول للدكتور إبراهيم الغماز حيث يعرف الشهادة بأنها: “التعبير عن مضمون الإدراك الحسي للشاهد بما راءه، أو سمعه بنفسه من معلومات عن الغير مطابقة لحقيقة الواقعة التي يشهد عليها في مجلس القضاء، بعد أداء اليمين، ممن تقبل شهادتهم، وممن يسمح لهم بها، ومن غير الخصوم في الدعوى”( )
والثاني للدكتور محمود نجيب حسني حيث يعرفها بأنها: “تقرير يصدر عن شخص في شأن واقعة عاينها بحاسة من حواسه”( )
رابعاً: الشهادة في القانون اليمني
عرف الشهادة قانون الإثبات اليمن رقم (21) لسنة 1992م في المادة رقم (26) بأنها: ((إخبار في مجلس القضاء من شخص بلفظ الشهادة لإثبات حق لغيره على غيره))
وكما هو واضح من نص هذه المادة، فإن القانون اليمني قد جمع بين تعريف الشافعية والحنفية بحيث استطاع الخروج بتعريف جامع مانع، لا يخرج عما أتى به فقهاء الفقه الإسلامي.
الفرع الثاني مشروعية الشهادة وحكم أدائها
المقصود بمشروعية الشهادة: الأساس الشرعي، أو المصدر، أو المرجع، لاعتبار الشهادة دليل من أدلة الإثبات، أما حكم أدائها فالمقصود به: الحكم ألتكليفي في اصطلاح أصول الفقه الإسلامي من حيث كونها واجبة، أو مندوبة، أو فرض عين، أو فرض كفاية، وبيان ذلك على النحو التالي:ـ
أولاً:ـ مشروعية الشهادة
الأساس الشرعي في مشروعية الشهادة هو: الكتاب، والسنة، والإجماع.
1- الكتاب:ـ لقد أمرنا الله جل وعلا بأداء الشهادة في أكثر من موضع في كتابه العزيز، قال تعالى: (وَاسْتَشْهِدُواْ شَهِيدَيْنِ من رِّجَالِكُمْ فَإِن لَّمْ يَكُونَا رَجُلَيْنِ فَرَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ مِمَّن تَرْضَوْنَ مِنَ الشُّهَدَاء) ( ) وقال تعالى: (وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِّنكُمْ وَأَقِيمُوا الشَّهَادَةَ لِلَّهِ) ( ) وقال تعالى: (وَلاَ تَكْتُمُواْ الشَّهَادَةَ وَمَن يَكْتُمْهَا فَإِنَّهُ آثِمٌ قَلْبُهُ وَاللّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ) ( )
2- السنة النبوية:ـ لقد حثنا صلى الله عليه وسلم على أداء الشهادة، وذم شاهدي الزور، وزجرهم، كما أمرنا بإكرام الشهود، وبين لنا كيفية الشهادة صلى الله عليه وسلم، فجاء في موطأ الإمام مالك رحمه الله تعالى: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: “ألا أخبركم بخير الشهداء: الذي يأتي شهادته قبل أن يسألها”( ) وروي عنه صلى الله عليه وسلم، أنه سئل عن الشهادة؟ فقال للسائل: “ترى الشمس؟” قال: نعم، فقال:”على مثلها فأشهد وإلا فدع”( ) وقال صلى الله عليه وسلم: “أكرموا الشهود فإن الله يحيي بهم الحقوق ويستخرج بهم الباطل”
3- الإجماع: ثبت بإجماع الأمة الإسلامية من لدن رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى عهدنا هذا اعتبار الشهادة حجة في الإثبات من غير نكير، لأن الحاجة داعيةَ إليها، لحصول التجاحد بين الناس.
4- قال القاضي شريح رحمة الله عليه “القضاء جمرة فنحه عنك بعودين _يعني الشاهدين_ وإنما الخصم داء، والشهود شفاء، فأفرغ الشفاء على الداء”( )
ثانياً:ـ حكم تحمل الشهادة وأدائها.
تحمل الشهادة وأداؤها فرض كفاية( ) إذا قام به البعض سقط عن الباقين، لقوله تعالى: (وَلاَ يَأْبَ الشُّهَدَاء إِذَا مَا دُعُواْ) ( ) وقوله تعالى: (وَلاَ تَكْتُمُواْ الشَّهَادَةَ وَمَن يَكْتُمْهَا فَإِنَّهُ آثِمٌ قَلْبُهُ) ( )
فيجب على من تحملوا الشهادة أدائها، متى ما دُعوا لذلك، فإن قام بالأداء اثنان منهم سقط الفرض عن الجميع،( ) ولا يأثم الممتنع عن أداء الشهادة، إلا إذا لم يكن عليه ضرر من أدائها، وكانت شهادته نافعة، أمَّا إذا كان عليه ضرر، فلا يلزمه الأداء، ولا إثم عليه لقوله تعالى: (وَلاَ يُضَآرَّ كَاتِبٌ وَلاَ شَهِيدٌ) وقوله صلى الله عليه وسلم: “لا ضرر ولا ضرار” ولا يلزم الشاهد أن يضر نفسه لينفع غيره( )
“ويرى ابن حزم: أن أداء الشهادة فرض عين على كل من علمها إلا أن يكون عليه حرج في ذلك لبعد مشقة أو لتضييع مال أو ضعف في جسمه فليعلنها فقط”( )
موقف القانون اليمني
لا يخالف القانون اليمني الفقه الإسلامي في أن تحمل الشهادة فرض كفاية، لكنه يرى أن أداء الشهادة من الواجبات الاجتماعية المفروضة على ألأفراد، وذلك إظهاراً للحق، وخدمة للعدالة في تسهيل مهمة القاضي في الفصل في المنازعات المعروضة أمامه، ولذا أوجب على متحمل الشهادة الأداء، ويُجبر، ويعاقب، عند الامتناع فنصت المادة (57) إثبات على أنه: “يجب على محتمل الشهادة أصالة أو إدعاء أدْاؤها عند طلب المشهود له” ونصت المادة (63) إثبات على انه: ((إذا رفض الشاهد الحضور إجابة لدعوة الخصم أو المحكمة جاز للقاضي إحضاره جبراً))ونصت المادة (128) من قانون الجرائم والعقوبات على أنه: ((يُعاقب بالغرامة التي لا تتجاوز خمسة آلاف ريال الشاهد الذي لا يحضر أمام المحكمة بعد تكليفه بالحضور))
المبحث الأول الشروط الواجب توفرها في الشاهد
نتناول في هذا المبحث الشروط الواجب توفرها في الشاهد حال تحمله الشهادة، وعند أدائها، والشروط المتعلقة بصلاحية الشاهد لأداء الشهادة، وذلك في ثلاثة مطالب على النحو الأتي:ـ
المطلب الأول:ـ الشروط الواجب توفرها في الشاهد حال تحمل الشهادة
المطلب الثاني:ـ الشروط الواجب توفرها في الشاهد حال أداء الشهادة
المطلب الثالث:ـ الشروط المتعلقة بصلاحية الشاهد لأداء الشهادة
المطلب الأول الشروط الواجب توفرها في الشاهد حال تحمل الشهادة
يقصد بتحمل الشهادة: قُدرة الشاهد على حفظها وضبطها، ويشترط الفقه الإسلامي ثلاثة شروط يجب توفرها في الشاهد حال تحمل الشهادة وهي: 1- العقل 2- البصر 3- الرؤية المباشرة، وبيانها على النحو التالي:ـ
الشرط الأول:ـ العقل
العقل: هو الحاسة التي ميز الله تعالى بها الإنسان عن سائر المخلوقات الأخرى، فبه يستطيع الإنسان التفكير، وتصور الأشياء، وإدراك الوقائع، والتمييز بين الحق، والباطل، والنافع والضار، وبه يحفظ الإنسان كل ما يطَّلع عليه، أو يشاهده في حياته، ومتى ما فقد الإنسان عقله سقطت عنه سائر التكاليف الشرعية، لقوله صلى الله عليه وسلم: “رفع القلم عن ثلاثة.. وذكر منهم.. المجنون حتى يعقل”.
ويتفق كافة أهل العلم في الفقه الإسلامي: على أنه يجب أن يكون الشاهد عاقلاً، وقت تحمل الشهادة، حتى يستطيع حفظها، وضبطها، فلا يصح التحمل من المجنون، والصبي الذي لا يعقل، لأن تحمل الشهادة عبارة عن فهم الحادثة، وضبطها، ولا يحصل ذلك إلا بآلة الفهم والضبط وهي: العقل( )
فالعاقل: هو الذي يكون أميناً على حقوقه، وحقوق غيره، أو هو سوي السلوك، والتصرف، العارف لحقوق الشهادة، وواجباتها. فلا تقبل شهادة من ليس بعاقل إجماعا سواء ذهب عقله بجنون، أو سكر، أو طفولية، أو كان معتوهاً.( )
ويتفق القانون اليمني مع الفقه الإسلامي في اشتراط العقل، وهذا ما نصت عليه المادة (27) ألفقره (أ) من قانون الاثبات.
الشرط الثاني:ـ البصر
المبصر: هو القادر على المشاهدة، فلا تقبل شهادة الأعمى، لأنه لا يستطيع أن يميز بين الأصوات، لأنها تشبه بعضها بعضاً، ولأنه لا يستطيع أن يميز بين المشهود عليه، والمشهود له. ولهذا يشترط الحنفية، والإمام أحمد بن حنبل في الشاهد: أن يكون مبصراً وقت تحمل الشهادة( ) .ويرى الإمام الشافعي وابن حزم: أن البصر ليس بشرط لصحة التحمل ولا لصحة الأداء، فتقبل شهادة الأعمى، وذلك لأن الحاجة إلى البصر عند التحمل تكمن في حصول العلم بالمشهود به، وذلك يحصل بالسماع، وللأعمى سماع صحيح، فيصح تحمله للشهادة ويقدر على الأداء بعد التحمل( ) .
موقف القانون اليمني
نصت المادة (29) إثبات على أنه: ((لا تقبل شهادة الأعمى فيما يحتاج إثباته إلى رؤية)) ومن خلال هذا النص يتضح لنا مدى فطنة المشرع اليمني، ودقة ألفاظه، واتفاقه مع الفقه الإسلامي، إذ أنه لم يأخذ بمذهب الحنفية على إطلاقه، ولا بمذهب الشافعية على إطلاقه، بل إنه جمع بينهما، وفرق بين ما يحتاج إثباته إلى رؤية، وبين ما لا يحتاج إثباته إلى رؤية، فأشترط الإبصار في الأولى دون الثانية،كما أنه أضاف شرط الحضور في الجنايات في مكان الواقعة تأكيداً منه على أن الجنايات لا يمكن إثباتها بالشهادة، إلا من الشاهد المبصر القادر على المشاهدة، والحاضر في المكان الذي وقعت فيه الجناية إذ تنص المادة (35) إثبات على أنه: ((لا يقبل في الجنايات شهود إلا ممن ثبت أنهم كانوا حاضرين في المكان الذي وقعت فيه الجناية ما لم تكن الشهادة على اعترافات المتنازعين))
الشرط الثالث:ـ الرؤية المباشرة
إن من الشروط الواجب توفرها في الشاهد حال تحمل الشهادة: الرؤية المباشرة، وهي: أن يكون التحمل بمعاينة المشهود به بنفسه، لا بغيره، إلا في أشياء مخصوصة يصح التحمل فيها بالتسامع من الناس، لقوله صلى الله عليه وسلم: للشاهد (إذا علمت مثل الشمس فاشهد وإلا فدع) ولا يعلم مثل الشمس، إلا بالمعاينة بنفسه، فلا تطلق الشهادة با التسامع، إلا في أشياء مخصوصة هي :النكاح، والنسب، والموت، فله تحمل الشهادة فيها بالتسامع من الناس، وإن لم يعاين بنفسه، لأن مبنى هذه الأشياء على الاشتهار، فقامت الشهرة فيها مقام المعاينة( )
جاء في التاج المذهب: “ما شهد به الأعمى لا يخلو أن يكون مما يحتاج فيه إلى المعاينة عند التحمل أو الأداء ومنه ما لا يحتاج إلى ذلك، فالأول لا تقبل شهادته فيه كثوب ونحوه من المنقولات، وأما الثاني فإن كان مما يثبت بطريق الاستفاضة أي الاشتهار كالنكاح والنسب والوقف والموت فإنها تقبل شهادته بكل حال سواء تحمله قبل ذهاب بصره أو بعده”( ) ولا يشترط في تحمل الشهادة البلوغ، ولا الإسلام، ولا العدالة، فإذا كان الشخص وقت التحمل صبياً عاقلا، أو كافراً، أو فاسقاً، ثم بلغ الصبي، واسلم الكافر، وتاب الفاسق، فشهدوا عند القاضي تقبل شهادتهم( )
موقف القانون اليمني
نصت المادة (27) على أنه

(1- يشترط في الشاهد ما يلي:ـ
ب- أن يكون قد عاين المشهود به بنفسه، إلا فيما يثبت بالسمع، واللمس، ويستثنى أيضاً النسب، والموت، والزوجية، وأصل الوقف، فإنه يجوز إثباته بالشهرة)).
وكما هو واضح من هذا النص أنه يتفق مع ما ذهب إليه الفقه الإسلامي في هذا الشأن.
المطلب الثاني
الشروط الواجب توفرها في الشاهد حال أداء الشهادة
يقصد بأداء الشهادة: القدرة على التعبير الشرعي الصحيح عنها في مجلس الحكم، ويشترط الفقه الإسلامي عدة شروط يجب توفرها في الشاهد حال أداء الشهادة وهي: 1- البلوغ 2- العقل 3- الاختيار 4- الإسلام 5- العدالة 6- النطق، وبيانها على النحو التالي:ـ
الشرط الأول:ـ البلوغ
يتحقق البلوغ بأمور خمسة: ثلاثة تعم الذكر، والأنثى، واثنان يخصان الأنثى، فالتي تعم الذكر، والأنثى هي: الاحتلام، والإنبات، ومُضي خمسة عشرة سنة، وأما التي تخص الأنثى فهو: الحُبل، والحيض( ) .
والبلوغ شرط لأداء الشهادة، فلا تقبل شهادة غير البالغ، إلا على سبيل الاستدلال فقط. ويتفق عامة الفقهاء: على عدم صحة شهادة الصبي غير المميز، أما شهادة الصبي المميز ففي قبولها خلاف عند الفقهاء.
فجمهور الفقهاء يرون: عدم صحة شهادة الصبي مطلقاً سواء كان مميز، أم غير مميز( ) لقوله تعالى: (وَاسْتَشْهِدُواْ شَهِيدَيْنِ من رِّجَالِكُمْ) وقوله تعالى: (وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِّنكُمْ) والصبي ليس برجلٍ، ولا بمرضي في الشهادة، وليس من ذوي العدل وقوله صلى الله عليه وسلم: “رفع القلم عن ثلاثة” وذكر منهم “الصبي حتى يبلغ”. وإذا كان الصبي، لا يقبل قوله على نفسه في الإقرار، فأولى ألا تقبل شهادته على غيره( )
ويرى المالكية، والإمام أحمد في روايه عنه: صحة شهادة الصبيان بعضهم على بعض في الجراح، إذا شهدوا قبل ألافتراق عن الحالة التي تجارحوا عليها( ) ،واستدلوا على ذلك، بما روي عن مسروق قال: كنا عند الإمام علي رضي الله عنه فجاء خمسة غلمه فقالوا: إنا كُنا ستة غلمه نتغاطس فغرق منا غلام، فشهد الثلاثة على الاثنين أنهما أغرقاه، وشهد الاثنان على الثلاثة أنهم أغرقوه، فجعل على الاثنين ثلاثة أخماس الدية، وجعل على الثلاثة خمسيها، ( ) كما استدلوا بما روي عن الإمام علي رضي الله عنه أنه قال: شهادة الصبيان جائزة بينهم ما لم يتفرقوا أو يرجعوا إلى أهليهم. ( )
ويشترط المالكية ومن معهم لقبول شهادة الصبيان: الذكورة، والتمييز – أي بلوغ عشر سنوات-، والتعدد -أي أن يكونوا اثنين فأكثر –، والاتفاق في الشهادة، وألا يكون بينهم وبين المشهود له قرابة، وألا يكون بينهم وبين المشهود عليه عداوة، وألا يحضر بينهم كبير وقت الجراح، وأن يشهدوا قبل تفرقهم عن الحالة التي تجارحوا عليها، فإن تفرقوا لم تقبل شهادتهم، لأنه يحتمل أن يلقنوا من الغير، وألا يشتهروا بالكذب( )
موقف القانون اليمني
نصت المادة (27) إثبات على أنه

(1- يشترط في الشاهد ما يلي:ـ أ- أن يكون بالغاً..))ونصت المادة (31) إثبات على أنه: ((الطفل المميز غير أهل للشهادة ولكن تسمع أقواله فيما شاهده كقرينه)).ونصت المادة (32) إثبات على أنه: ((تقبل شهادة الصبيان بعضهم على بعض فيما يحدث بينهم ما لم يختلطوا بغيرهم من الكبار مع غلبة الظن بصدقهم)).
فالواضح من هذه النصوص أن المشرع اليمني يفرق بين حالتين:
الأولى: شهادة الصبيان في كل شيء باستثناء شهادتهم على ما يحدث بينهم من وقائع، وفي هذه الحالة اعتبر المشرع شهادتهم قرينة بسيطة يسترشد بها القاضي للوصول إلى الحق، ولا يجوز له أن يحكم بمقتضاها منفردة ما لم يكن أمامه أدلة أخرى معتبرة.
أما الثانية: فهي شهادة الصبيان على ما يحدث بينهم من وقائع، وأحداث، وفي هذه الحالة تقبل شهادتهم، ويجوز الحكم بمقتضاها، بشرط أن لا يختلطوا بغيرهم من الكبار، وأن يغلب على الظن صدقهم، ما لم فلا تقبل شهادتهم، ولا يجوز الحكم بمقتضاها. وبهذا يكون القانون اليمني قد اخذ برأي المالكية، ومن معهم، إلا أنه لم يأخذ بكافة شروطهم، بل أقتصر على شرط عدم اختلاطهم بغيرهم من الكبار، وشرط غلبة الظن بصدقهم، إذ أنه يرى أن شرط اقتناع القاضي بصدقهم تندرج فيه بقية الشروط الأخرى، فمتى شك القاضي في صدقهم، أو ثبت لديه قرابة بينهم وبين المشهود له، أو عداوة مع المشهود عليه، أو اختلفوا في شهادتهم، أو كان سنهم صغير، فإنه لا يقبل شهادتهم، فالأمر خاضع لسلطته التقديرية.
الشرط الثاني:ـ العقل
يجب أن يكون الشاهد حال أداء الشهادة عاقلاً مدركاً لما يشهد به، فإن كان مجنوناً، أو معتوهاً، أو زائل العقل بسكر، أو غيره، فلا تقبل شهادته، لأن من لا يعقل، لا يعرف الشهادة، فكيف يقدر على أدائها( ) ، ولأن الشهادة فيها معنى الولاية، والمجنون لا ولاية له إذ هو مشمول بالولاية من غيره. وهذا الشرط متفق عليه عند كافة الفقهاء( ) وقد ذهب القانون اليمني إلى أنه يشترط في الشاهد أن يكون عاقلاً حال تحمل الشهادة، وحال أدائها أسوةً بالفقه الإسلامي، حيث نصت المادة (27) إثبات على أنه: ((“يشترط في الشاهد ما يلي:ـ أ- أن يكون بالغاً عاقلاً))
الشرط الثالث:ـ الاختيار
يجب أن يكون الشاهد حال أداء الشهادة حر الاختيار غير مكره، فإن كان مكرهاً فلا تقبل شهادته، لأن المكره قد يشهد بخلاف ما يعلم. فالإكراه يمنع الثقة في شهادته، هذا عند بعض الفقهاء، بينما يرى البعض الأخر أن شهادة المكره جائزة، إذا كان بالغاً عاقلاً( )
والإكراه: هو حمل القادر غيره على ما لا يرضاه بحيث لو خُليَ ونفسه لما باشره، وهو نوعان: إكراه مادي، وإكراه معنوي، والإكراه المادي: إما أن يكون ملجئاً يعدم الرضاء، والاختيار، كالتهديد بالقتل، أو القطع إن لم يشهد، وإما أن يكون غير ملجئ يعدم الرضاء دون الاختيار، كالتهديد بالحبس، أو الضرب إن لم يشهد. أما الإكراه المعنوي: فهو الذي يُهدد فيه الشخص في شرفه، أوفي حق من حقوقه الأدبية، ومتى ما وجد الإكراه سواءً كان مادي، أو معنوي، فلا تقبل شهادة المكُره، وذلك لقرب الشهادة المبنية على الإكراه من شهادة الزور، وشهادة الزور لا تقبل، ولأن الشهادة تصرَّف قانوني،وشرطه الاختيار( )
ويرى لباحث: عدم قبول شهادة المكره، لعدم الوثوق في قوله، ولقوله صلى الله عليه وسلم “رفع عن أُمتي الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه” بالإضافة إلى أن المكُره لا يُحاسب على أقواله وإن تلفظ بكلمة الكفر، والأولى عدم الأخذ بشهادته على غيره.
موقف القانون اليمني
نصت المادة (27) إثبات على أنه

(1- يشترط في الشاهد ما يلي:ـ أ- أن يكون بالغاً عاقلاً مختاراً)).كما نصت المادة (6) من قانون الإجراءات الجزائية على أنه: ((يُحظر تعذيب المتهم أو معاملته بطريقة غير إنسانية، أو إيذائه بدنياً أو معنوياً لقسره على الاعتراف، وكل قول يثبت أنه صدر من أحد المتهمين أو الشهود تحت وطأة شيء مما ذُكر يُهدر ولا يعول عليه)).
فالقانون اليمني أخذ برأي القائلين بأن الإكراه يمنع قبول الشهادة، ولذلك أشترط في الشاهد أن يكون مختاراً، كما أنه أرجع تقدير حالة الإكراه إلى القاضي، وذلك من خلال ما يستنتجه من ظروف الزمان، والمكان، وملابسات الحال، فمتى ما ثبت لديه توفر حالة الإكراه، فإنه يهدر كل قول صدر تحت وطأتها، ولا يعول عليه في قضائه.
الشرط الرابع:ـ الإسلام
يتفق السواد الأعظم من الفقهاء على اشتراط الإسلام في الشاهد حال أداء الشهادة، وذلك لأن الشهادة نوع من الولاية، ولا تقبل ولاية من غير المسلم على المسلم.( ) قال تعالى: (وَلَن يَجْعَلَ اللّهُ لِلْكَافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلاً) ( ) وقال تعالى: (وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِّنكُمْ) ( )وقال تعالى: (وَاسْتَشْهِدُواْ شَهِيدَيْنِ من رِّجَالِكُمْ فَإِن لَّمْ يَكُونَا رَجُلَيْنِ فَرَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ مِمَّن تَرْضَوْنَ مِنَ الشُّهَدَاء) ( )
وجه الاستدلال من الآيات السابقة، أن الكافر ليس بعدل، ولا هو منا، ولا ممن نرضاه، وبناء على ذلك يرى جمهور الفقهاء: عدم قبول شهادة الكافر على المسلم سواء كانت على الوصية في السفر، أو غيرها. بينما يرى فقهاء الحنابلة، والظاهرية، وبعض الاماميه: جواز شهادة الكافر على المسلم في الوصية في السفر، إذا لم يوجد غيره، وذلك للضرورة، والحاجة( ) لقوله تعالى: (يِا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ شَهَادَةُ بَيْنِكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ حِينَ الْوَصِيَّةِ اثْنَانِ ذَوَا عَدْلٍ مِّنكُمْ أَوْ آخَرَانِ مِنْ غَيْرِكُمْ إِنْ أَنتُمْ ضَرَبْتُمْ فِي الأَرْضِ) ( )
وقال الإمام ابن تيمية: إن قبول شهادتهم في هذا الموضع ضرورة يقتضي قبولها في كل ضرورة، حضراً، أو سفراً( )
كما رجح كلا من الدكتور عبدالكريم زيدان، والدكتور عبدالله الخياري الرأي القائل بجواز شهادة غير المسلم على المسلم في كل ضرورة حضراً، وسفراً. ويرون بأن الضرورة لا تقتصر على وصية المسلم في السفر، بل يترك للقاضي تقدير الضرورة التي يجوز فيها شهادة غير المسلم على المسلم( )
ويرى الباحث: عدم قبول شهادة الكافر على المسلم في الجنايات، وبالذات الحدود، والقصاص لأنها تدرأ بالشبهات، أما ما عداها من المعاملات فتقبل عند الضرورة .والله اعلم
أما بالنسبة لشهادة المسلم على الكافر: فلا خلاف بين الفقهاء على جوازها استناداً لقوله تعالى: (وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِّتَكُونُواْ شُهَدَاء عَلَى النَّاسِ) ( ) وقوله صلى الله عليه وسلم: “لا شهادة لأهل ملة على أهل ملة أخرى إلا المسلمين فشهادتهم مقبولة على أهل الملل الأخرى”( ) وذلك لأن المسلمين عدول كما أخبرت الآية السابقة، ومطالبون شرعاً بالتزام جانب العدالة في شهادتهم، وأحكامهم، ومطالبين بالحيدة التامة في كل أمورهم قال تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُونُواْ قَوَّامِينَ لِلّهِ شُهَدَاء بِالْقِسْطِ وَلاَ يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلاَّ تَعْدِلُواْ اعْدِلُواْ هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى وَاتَّقُواْ اللّهَ إِنَّ اللّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ) ( )
وأما شهادة الكافر على الكافر: ففيها خلاف عند الفقهاء
فالمالكية، والشافعية، والحنابلة: يمنعونها مطلقاً( )، واستدلوا على ذلك بعموم الأدلة التي استدل بها جمهور الفقهاء في عدم جواز شهادة الكافر على المسلم، وبما رُويَّ عن معاذ بن جبل أن النبي صلى الله عليه وسلم: كان لا يقبل شهادة أهل دين إلا المسلمين فإنهم عدول على أنفسهم وعلى غيرهم( ).
وذهب الزيدية: إلى أنه إذا كان الكافر مشركاً، أو ملحدا،ً أو مرتداً، فلا تقبل شهادته مطلقاً، لا على مشرك، ولا ملحد، ولا كتابي، ولا على مسلم بالأولى، أما إذا كان الكافر كتابياً فتجوز شهادته على كتابي مثله، لا على أهل سائر الملل الأخرى( )
أما الأحناف: فيذهبون إلى قبول شهادة الكفار بعضهم على بعض سواء أتحدت مللهم أم اختلفت، بشرط أن يكونوا من أهل دار واحدة، أما المرتد فإنهم يرون عدم قبول شهادته مطلقاً سواء على مسلم، أو كافر، أو غيره( ).
ويرى الإمام حسن البصري: جواز قبول شهادة الكفار بعضهم على بعض مطلقاً سواء اختلفت مللهم أم أتحدت، وسواء كانوا أهل دار واحدة، أو ديار متعددة، لأن الكفر ملة واحدة( ).
ويرى الباحث: قبول شهادة الكفار على بعضهم البعض مطلقا،ً وذلك لأن الكفر ملة واحدة، ولأن الكافرين أولياء بعض، كما أن في قبول شهادة بعضهم على بعض ضرورة، إذ لو لم نقبلها لأدى ذلك إلى ضياع حقوقهم خصوصاً وأن المسلمين لا يحضرون معاملاتهم حتى يشهدون عليها، و ما دام الكافرون قد قبلوا عقد الذمة، أو الاستئمان، فإنه من الواجب الحفاظ على دمائهم وأموالهم مقابل ذلك، ولا يمكن الحفاظ عليها إلا بقبول شهادة بعضهم على بعض، والله اعلم.
موقف القانون اليمني
لم ينص المشرع اليمني على شرط الإسلام صراحة، ولكن لا يعني خلوه من شرط الإسلام الواجب توفره في الشاهد حال أداء الشهادة أنه لا يأخذ بهذا الشرط، أو أنه يخالف ما ذهب إليه الفقهاء، بل إنه من خلال الرجوع إلى شروط الشاهد الأخرى التي اشترطها القانون اليمني نجد انه يشترط العدالة، وهذا يُفهم منه ضمناً انه يشترط الإسلام، إذ لا يمكن توفر العدالة في غير المسلم، بالإضافة إلى أن الشريعة الإسلامية مصدر جميع التشريعات في اليمن، وفقاً لنص المادة (3) من دستور الجمهورية اليمنية فيتم الرجوع إليها فيما لم يرد بشأنه نص، كما أن المادة (179 مكرر) من قانون الإثبات اليمني تنص على أنه: ((كل ما لم يرد به نص فيعمل فيه بأحكام الشريعة الإسلامية والقوانين النافذة)) وعليه وبما أن الفقه الإسلامي يجمع على اشتراط الإسلام في الشاهد حال أداء الشهادة، فإنه يجب الرجوع إليه باعتباره المصدر الذي أُخذ منه القانون، والمرجع فيما لم يرد بشأنه نص، ومن ثم فإنه يُلزم العمل بشرط الإسلام قضاءً.
ومع ذلك يوصي الباحث المشرع بالنص على شرط الإسلام صراحةً حتى لا يترك الأمر لاجتهاد القضاء.
الشرط الخامس:ـ العدالة
يتفق عامة الفقهاء على اشتراط العدالة في الشاهد حال أداء الشهادة( ) لقوله تعالى: (وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِّنكُمْ) ( ) وقوله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن جَاءكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُوا أَن تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ) ( )
والعدالة في اللغة: التوسط، ومنه قوله تعالى: (وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا) –أي عدولاً- واصطلاحاً: اختلفت عبارات الفقهاء في ذلك، فمنهم من يرى أنها: اجتناب الكبائر وعدم الإصرار على الصغائر، ومنهم من يرى أنها: التزام الواجبات الشرعية، ومستحباتها، واجتناب المحرمات، والمكروهات، ومنهم من يرى أن العدل: من غلبت حسناته سيئاته، ومنهم من يرى أن العدل: من لم يُطعن عليه في بطن، ولا فرج( )
ويعرف الباحث العدالة: بأنها التزام المأمورات، واجتناب المحظورات، والتحلي بالأخلاق، والبعد عن الشبهات، والمحافظة على المُروءة.
ولا خلاف عند الفقهاء في أنه يجب على القاضي أن يحكم بشهادة الشهود، إذا وثق في عدالتهم، وتوفرت باقي شروط الصحة فيهم، أمَّا إذا علم فسقهم فإنه يجب عليه ردُّ شهادتهم، وعدم الحكم بها لانتفاء شرط العدالة فيهم. ( )
ولكن ما الحكم إذا كان القاضي لا يعرف شيئا عن عدالة الشهود، أو فسقهم، ولم يطعن الخصم في شهاداتهم، فهل يأخذ القاضي بظاهر حالهم؟ فيقبل شهاداتهم، أو لا يأخذ بشهاداتهم إلا بعد أن يتأكد من حالهم، وتثبت لديه عدالتهم؟ للفقهاء في هذه المسألة ثلاثة أراء، وفيما يلي بيانها تفصيلاً كون هذه المسألة أكثر وقوعاً في عصرنا الحاضر، وفي بيانها فائدة:
الرأي الأول:ـ يرى أصحاب هذا الرأي: أنه يجب على القاضي الامتناع عن الحكم بشهادة مجهولي العدالة قبل أن يتأكد من عدالتهم، فلا يأخذ بشهادتهم، إلا بعد أن تثبت لديه عدالتهم سواءً كانت شهادتهم تتعلق بحدٍ، أو قصاصٍ، أو غيرها، وسواءً طعن الخصم في عدالتهم، أو لم يطعن، وهذا ما ذهب إليه جمهور الفقهاء من الزيدية، والمالكية، والحنابلة في المشهور عندهم، وصاحبا أبي حنيفة، وحجتهم في ذلك قوله تعالى: (وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِّنكُمْ) وقوله تعالى

مِمَّن تَرْضَوْنَ مِنَ الشُّهَدَاء) فالله تعالى يأمرنا بأن نُشهد ذوي العدل منا المرضي، ومجهول الحال لا يُعرف أنه مرضي قبل التأكد من عدالته، كما استدلوا بما روي أن عمر رضي الله عنه أُتي إليه بشاهدين فقال لهما: لست أعرفكما فأتيا بمن يعرفكما، فأتيا برجل فقال له عمراً: تعرفهما؟ فقال: نعم، فقال له عمر: صحبتهما في السفر الذي تبين فيه جواهر الناس؟ قال: لا فقال له عمر: عاملتهما في الدنانير، والدراهم التي تقطع فيها الرحم؟ قال: لا فقال له عمر: يا ابن أخي لست تعرفهما، ثم قال: رضي الله عنه للشاهدين مرة ثانية جيئا بمن يعرفكما. وكان هذا بمحضرٍ من الصحابة دون نكير من أحد، فيكون إجماعاً( ).
الرأي الثاني:ـ ويرى أصحاب هذا الرأي: أنه يأخذ القاضي بشهادة مجهولي الحال ويحكم بمقتضاها، وذلك اكتفاءً بظاهر الحال، لأن المسلمين الأصل فيهم العدالة لقوله صلى الله عليه وسلم: “المسلمون عدول بعضهم على بعض إلا محدوداً في قذف” وقوله تعالى: (وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِّتَكُونُواْ شُهَدَاء عَلَى النَّاسِ) فالله سبحانه وتعالى وصف مؤمني هذه الأمة بالوسطية وهي: العدالة، واستثنوا من ذلك، فيما لو كانت الشهادة تتعلق بالحدود، والقصاص، فإنه لا يجوز للقاضي الأخذ بها، أو الحكم بمقتضاها، إلا بعد التأكد من عدالة الشهود، بالسؤال عنهم سواءً طعن الخصم فيهم، أو لم يطعن، وذلك لأن الحدود، والقصاص تدرأ بالشبهات، لذا وجب الاحتياط لها، أما ما عداها فلا يتأكد القاضي من عدالة الشهود، إلا إذا طعن الخصم فيهم، وهذا ما ذهب إليه الإمام أبو حنيفة.( )
الرأي الثالث:ـ ويرى أصحاب هذا الرأي: أنه إذا طعن الخصم في عدالة الشهود فإنه يجب على القاضي، أن يتأكد من عدالتهم، ولا يأخذ بشهادتهم، إلا بعد أن تثبت لديه عدالتهم، ما لم فيردها، أما إذا لم يطعن الخصم في عدالة الشهود، فللقاضي أن يحكم بمقتضاها دون أن يتحقق من عدالتهم، وذلك اكتفاءً بظاهر الحال، لأن الظاهر في المسلمين العدالة، ولا فرق عندهم بين حدٍ، أو قصاص، أو غيره، وهذا ما ذهب إليه بعض الزيدية، ورواية عن الإمام أحمد بن حنبل.( )
ويرى الباحث: أن الأصل في الشاهد العدالة حتى يثبت العكس، ولهذا لا يجب على القاضي أن يتحرى من عدالة الشاهد، إلا إذا طعن الخصم فيها، وذلك عملاً بالظاهر، إذ الأصل في المسلمين العدالة، ولأن القضاء بالظاهر، ولذا فإنه يجب على الخصم أن يطعن في عدالة الشاهد، متى ما كان غير عدل، ويجب على القاضي في هذه الحالة التحري من عدالة الشاهد، فإن ثبتت عدالته أخذ بشهادته، وإن لم تثبت رد شهادته، أما إذا لم يطعن الخصم، وكان ظاهر حال الشاهد يدل على عدالته، فالأولى الأخذ بالظاهر، والله تعالى أعلم.
موقف القانون اليمني
أولا:- فيما يتعلق باشتراط العدالة في الشاهد، فقد نص المشرع اليمني في المادة (27) إثبات على انه

(1-يشترط في الشاهد ما يلي: أ- أن يكون بالغاً عاقلاً مختاراً عدلاً))
ثانياً:- وفيما يتعلق بتعريفه للعدالة، فقد نصت المادة سالفة الذكر في ألفقره (ج) على أن: (( العدالة: هي الصلاح الظاهر في الشاهد))
ويرى الباحث: أن المشرع اليمني لم يكن موفقاً في تعريفه للعدالة بالصلاح الظاهر في الشاهد، كون (الصلاح) وصفاً غير منضبط، يحتمل أكثر من معنى يتفاوت فيه الناس من مجتمع لأخر، ومن زمن لأخر، لذا يوصي الباحث المشرع اليمني: بان يعدل تعريف العدالة على أن يكون على النحو الأتي

( والعدالة: هي التزام المأمورات، واجتناب المحظورات، والتحلي بالأخلاق، والبعد عن الشبهات، والمحافظة على المروءه ))، كونه تعريفاً جامع مانعاً لا يدخل فيه غيره حسب رأي الباحث.
ثالثاً:- أما فيما يتعلق بشهادة مجهول الحال الذي لا يعرف القاضي عدالته من فسقه، فقد نصت المادة المشار إليها في البند(أولا) على انه: ((1- يشترط في الشاهد ما يلي: ج- أن لا يكون مجلودا في حد او مجروحاً في عدالة)) كما نصت المادة (47) إثبات على انه: (( يجوز للخصم أن يدفع شهادة خصمه ببينه يثبت بطلانها كما يجوز له أن يأتي بشهود لجرح شهود خصمه))
فيتضح من هذه النصوص أن المشرع أخذ برأي بعض الزيديه، ورواية عن الإمام أحمد من أن القاضي يأخذ بظاهر حال الشاهد، إذا لم تُجرح عدالته؛ أما إذا جُرحت عدالته، فلا يأخذ القاضي بظاهر حاله، بل يجب عليه التحري من عدالة الشاهد، والحكم بما ثبت لديه.
الشرط السادس:ـ النطق
والنطق يعني: قدرة الشاهد على الكلام، وهو شرط يجب توفره في الشاهد حال أداء الشهادة، ويتفق الفقهاء على عدم قبول شهادة الأخرس على الأقوال مطلقاً، لا بالإشارة ولا بالكتابة، لأن الأقوال مدركها السمع( ) لقوله تعالى: (وَلاَ تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ والفؤاد كُلُّ أُولـئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْؤُولاً) ( ) والأخرس، لا يمكنه إدراك الأقوال، وبالتالي لا تجوز شهادته عليها.
أما شهادة الأخرس على الأفعال التي تُدرك بالرؤية، كالزنا، والشرب، والسرقة، والقتل فللفقهاء خلاف فيها.
فجمهور الفقهاء من الأحناف، والزيدية: يرون عدم قبول شهادة الأخرس مطلقاً، لا بالكتابة ولا بالإشارة، وذلك لأن من شروط صحة الشهادة عندهم لفظ “أشهد”، والأخرس لا عبارة له لعدم قدرته على الكلام أصلاً، وبالتالي فلا تقبل شهادته. ( )
ويرى الإمام مالك: قبول شهادة الأخرس إذا فُهمت إشارته، وذلك لقيام الإشارة منه مقام نطقه في أحكامه من طلاقه، ونكاحه، وظهاره، وكذلك في شهادته، كما يرون قبول شهادته بالكتابة، وذلك لأنهم يكتفون بكل صيغه، أو لفظ يؤدي معنى الإخبار والشهادة، وهذا حاصل بالإشارة والكتابة.( )
أما الحنابلة: فيُفرِّقون بين الأخرس الذي يعرف الكتابة، والأخرس الذي لا يعرف ألكتابه، ويرون قبول شهادة الأخرس الذي يعرف ألكتابه، أما الذي لا يعرف الكتابة، فلا تقبل شهادته مطلقاً حتى ولو كانت إشارته مفهمه، ذلك لأن الشهادة يشترط فيها اليقين، ولا يحصل اليقين بدلالة الإشارة، وإنما قبلت إشارته في شؤونه الخاصة به للضرورة، ولا ضرورة هنا للأخذ بشهادته على الغير( ).
موقف القانون اليمني
نصت المادة (41) إثبات على أنه

(يشترط في الشهادة ما يلي:ـ 2- أن تؤدى بلفظ اشهد))
وهذا يدل على أن المشرع اليمني قد أخذ برأي جمهور الفقهاء الذين يشترطون لفظ “أشهد” لصحة الشهادة، وبناءً على هذا، فإنه يجب على القاضي ألا يقبل شهادة الأخرس، لأنه لا يستطيع التلفظ بلفظ “أشهد”، وبالتالي فلا تقبل شهادته، لأنه فقد شرطاً من شروط الشهادة.
ونصت المادة (65) إثبات على أنه: ((من لا قدرة له على الكلام يؤدي الشهادة إذا أمكن أن يبين مراده بالكتابة أو بالإشارة المفهومة فيما يجوز فيه ذلك))وهو بهذا النص يقرر استثناء على المادة الأولى، أو بالأصح يخصص عمومها، فأجاز قبول شهادة الغير قادر على الكلام، إذا استطاع الكتابة، أو الإشارة، وبين مراده بهما، ولكنه لا يجيز ذلك مطلقاً في كل شيء، بل فيما يجوز له ذلك، أي في الأمور التي يتوقف إدراكها على الرؤية، والمشاهدة، أما الأمور التي يتوقف إدراكها على السمع، كالأقوال، فلا تجوز شهادته فيها، لاتفاق الفقهاء على عدم قبول شهادته فيها، وكذا الحدود لأنها تسقط بالشبهة.
كما بينت المادة (238) إجراءات جزائية كيف يبين الأصم أو الأبكم مراده بالكتابة فنصت على أنه: ((إذا كان الأصم أو الأبكم من الشهود أو المتهمين يعرف الكتابة فَيُدَوِّن كاتب الجلسة الأسئلة والملاحظات ويسلمها إليه فيجيب عليها كتابة ويتولى الكاتب جميع ذلك في الجلسة)).
وتمشياً من المشرع اليمني مع تقدم العلم، إذ وجدت وسائل، وطرق، وقواعد، وحدت إشارات الصم، والبكم، وفُهمت إشاراتهم على ضوءها من قبل المتخصصين، لذا نصت المادة (237) إجراءات جزائية على أنه: ((إذا كان المتهم أو الشاهد أبكم أو أصم ولا يعرف الكتابة عين القاضي للترجمة بينه وبين المحكمة من اعتاد مخاطبة أمثاله بالإشارة أو الوسائل الفنية الأخرى)).
وهذا كله رغبة من المشرع اليمني في الحفاظ على الحقوق، وصوناً لها من الضياع، وتمشياً مع أحكام الضرورات.
المطلب الثالث الشروط المتعلقة بصلاحية الشاهد لأداء الشهادة
الأصل في الإنسان صلاحيته لأداء الشهادة، لقوله تعالى: (وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِّتَكُونُواْ شُهَدَاء عَلَى النَّاسِ) ( ) إلا أن هناك أمور معينة، إذا وجدت في الشخص كان غير صالح لأداء الشهادة، لذا فقد اشترط الفقه الإسلامي في الشاهد أن يكون صالحاً لأداء الشهادة، وذلك بأن يكون خالياً من موانع الشهادة التي تفقده صلاحيته وهي:1- ألا يكون الشاهد متهماً في شهادته 2- وألا يكون مجلوداً في حد أو مجروحاً في عدالة، وبيانها على النحو التالي:ـ
الشرط الأول:ـ ألا يكون الشاهد متهماً في شهادته.
قد يكون الشاهد بالغاً عاقلاً مختاراً عدلاً مسلماً ناطقاً بصيراً، وتتوفر في حقه كافة الشروط، ورغم ذلك لا تقبل شهادته، كونه محل اتهام فيها، والاتهام في الشهادة، إما أن يكون بسبب خصومه بين الشاهد والمشهود عليه، أو بسبب وجود قرابة خاصة تربط الشاهد بالمشهود له، أو زوجية، أو صداقة، أو تبعية يترجح معها أن الشاهد يجر لنفسه نفعا،ً أو يدفع عنها ضرراً بشهادته، وبيانها فيما يلي:ـ
أولاً:ـ ألا يكون الشاهد خصماً للمشهود عليه.
الخصومة المانعة من الشهادة نوعان:
النوع الأول:ـ خصومة بسبب النزاع، والمطالبة بحق من الحقوق، ومن ذلك عدم قبول شهادة الشريك لشريكه، والوكيل لموكله فيما هو شريك، أو وكيل فيه، لأن كلاً من هؤلاء في حكم المالك، والمالك لا شهادة له، لأنه مدعٍ، ومالك، فهو كالذي يشهد على فعل نفسه، فلا تقبل شهادته للتهمة،ومن ذلك أيضاً شهادة الدائنين لمدينهم المفلس بدين له على الغير، والكفيل للمكفول عنه.( )
النوع الثاني:ـ خصومة بسبب العداوة الدنيوية( ) بين الشاهد والمشهود عليه، ومن ذلك عدم قبول شهادة العدو على عدوه، كشهادة المقذوف على القاذف، ولا شهادة المقتول وليه على القاتل، ولا شهادة المجروح على الجارح، ولا من بينه وبين المشهود عليه نزاع على منصب، أو جاه، سواء شهد عليه في نفس ما هو خصم فيه، أو في غيره لقوله صلى الله عليه وسلم: “لا تقبل شهادة خصم ولا ظنين ولا ذي أحنه” – وذو الأحنه هو العدو-( ) والذين ذهبوا إلى أن العداوة مانعة من الشهادة هم: جمهور الفقهاء من المالكية، والشافعية، والحنابلة، والإمامية.
ما عد الأحناف، والظاهرية: فقد ذهبوا إلى أن العداوة ليست مانعة من الشهادة، لقوله تعالى: (وَلاَ يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلاَّ تَعْدِلُواْ اعْدِلُواْ هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى) وعلَّلوا ذلك بأن الله تعالى أمرنا في هذه الآية بالعدل على أعدائنا فصح أن من حكم بالعدل على عدوه، أو شهد وهو عدل على عدوة، فشهادته مقبولة، وحكمه نافذ( ). والعداوة المانعة من الشهادة هي: العداوة على أمور الدنيا، أما العداوة على أمور الدين، فلا تمنع من الشهادة كشهادة المسلم على الكافر والمؤمن على الفاسق فشهادتهما مقبولة.
وسبب منع الشهادة بالعداوة: كون العداوة قد تحمل الشخص على أن يشهد على عدوه بغير حق بقصد إيقاع الأذى به، إذ العدو يتمنى زوال نعمة عدوه، ويحزن بسروره، ويفرح بمصيبته، ومن كان هذا شأنه، فلا تحصل الثقة في قوله.
والعبرة بالخصومة المانعة من الشهادة هي بالخصومة المتقدمة على حضورهما إلى الحاكم( ).
أما شهادة العدو لعدوه فتصح بالإجماع، بل إن مثل هذه الشهادة تكون أكثر قبولاً من غيرها، لأن الحق ما شهدت به الأعداء( ).
موقف القانون اليمني
نصت المادة (27) إثبات على أنه: ((1- يشترط في الشاهد ما يلي:ـ هـ- أن لا يكون خصماً للمشهود عليه)).
فالقانون اليمني بهذا النص يكون قد أخذ برأي جمهور الفقهاء، وهو الراجح خاصة في زمننا هذا.
ثانياً:ـ ألا يكون الشاهد قريباً للمشهود له.
ذهب جمهور الفقهاء: إلى عدم قبول شهادة الأصول للفروع، وشهادة الفروع للأصول، سواء كانوا ذكوراً، أو إناثا، وذلك لأن العادة جرت على أن ينتفع الأصول بمال الفروع والفروع بمال الأصول، ومن ثم فإن شهادة كلٍ منهم تتضمن معنى النفع، فيكون الشاهد بذلك متهماً في شهادته، والاتهام في الشهادة يؤدي إلى عدم قبولها، قال صلى الله عليه وسلم: “لا تقبل شهادة الوالد لولده ولا السيد لعبده ولا العبد لسيده ولا الزوجة لزوجها ولا الزوج لزوجته”، وقال صلى الله عليه وسلم: “لا شهادة لجار المغنم ولا الدافع المغرم”( )
وذهب الظاهرية، والزيدية: إلى قبول شهادة كل منهما للآخر، وذلك لأن من ثبتت له العدالة تقبل شهادته بغض النظر عن وجود القرابة لعموم قوله تعالى: (وَاسْتَشْهِدُواْ شَهِيدَيْنِ من رِّجَالِكُمْ) فالآية وردت بلفظ العموم فُيعمل بعمومه( )
كما ذهب الحنابلة في رواية ثانية لهم: إلى قبول شهادة الأبن لأبيه، وعدم قبول شهادة الأب لأبنه، وذلك لأن مال الإبن في حكم مال الأب، لقوله صلى الله عليه وسلم: “أنت ومالك لأبيك” وذهبوا في رواية ثالثة لهم إلى قبول شهادة كل منهما للأخر فيما لا تهمة فيه كالنكاح، والطلاق لأن كل واحد منهما لا ينتفع بما يثبت فيهما للأخر( ).
أما بالنسبة لشهادة الأصول على الفروع، وشهادة الفروع على الأصول، فهي مقبولة في جميع الحقوق عند كافة أهل العلم، لقوله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُونُواْ قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَدَاء لِلّهِ وَلَوْ عَلَى أَنفُسِكُمْ أَوِ الْوَالِدَيْنِ وَالأَقْرَبِينَ).، ما عدا الإمام الشافعي رحمه الله تعالى: فقد ذهب إلى عدم قبول شهادة الولد على والده في إيجاب القصاص وحد القذف، لأنه لا يقتل بقتله، ولا يُحد بقذفه فلا يلزمه ذلك.( ).
وأما شهادة سائر الأقارب غير الأصول والفروع لبعضهم البعض: فهي مقبولة عند جمهور الفقهاء، كشهادة الأخ لأخيه، وشهادة الشخص لأخواله، وأعمامه، وشهادة الأخوال لأولاد أخواتهم، وشهادة الأعمام لأولاد أخوتهم، وهكذا بقية الأقارب، وذلك لأن هؤلاء ليس لبعضهم تسلط في مال البعض لا عرفاً ولا عادة، فأُلْحِقوا بالأجانب،( ) ما عدا الإمام مالك رحمه الله تعالى: فإنه يرى عدم قبول شهادة الأخ لأخيه، إذا كان منقطعاً إليه في صلته، وبره لأنه متهم في حقه، كما حكى ابن المنذر عن الثوري: عدم قبول شهادة كل ذي رحم محرم( ).
هذا وأما شهادة الوالد من الرضاع لولده من الرضاع، وشهادة الولد من الرضاع لوالده من الرضاع، فلا خلاف بين الفقهاء في قبول شهادتهما لبعض، وذلك لأنه لم تجر العادة بانتفاعهما بمال بعضهما، فهما كالأجانب( ).
ويرى الباحث: عدم قبول شهادة الأقارب لبعضهم البعض سواء الآباء لأبنائهم، ولا الأخوان لإخوانهم، ولا الأعمام، ولا الأخوال، وهكذا بقية الأقارب، سواء انتفع كل منهم بمال الأخر، أو لم ينتفع، وذلك لأن في شهادتهم لبعض تهمة، فالأقارب دائماً يسعون في مصالح أقاربهم، ولا يرضون بالمكروه أن ينالهم، ولو كلفهم ذلك الشهادة لهم كذباً لتبرئتهم، وهذا ما هو حاصل في زماننا نظراً لضعف الوازع الديني، وانتشار الفساد بين أوساط المجتمع، أما شهادتهم على بعض فإني أرى قبولها، بعد أن يتحرى القاضي من عدالة الشاهد، وعدم وجود خصومة بينه وبين قريبه المشهود عليه، هذا والله أعلم.
ثالثاً:ـ ألا يكون بين الشاهد والمشهود له زوجية، أو مصاهرة، أو صداقة، أو تبعية.
1- أثر الزوجية على الشهادة.
يذهب جمهور الفقهاء من المالكية، والحنابلة، والأحناف: إلى عدم قبول شهادة الزوج لزوجته، ولا الزوجة لزوجها، لقوله صلى الله عليه وسلم: “لا تقبل شهادة الوالد لولده ولا الولد لوالده ولا السيد لعبده ولا العبد لسيده ولا الزوجة لزوجها ولا الزوج لزوجته” وقوله صلى الله عليه وسلم: “لا شهادة لجار المغنم ولا الدافع المغرم”.، وأحد الزوجين بشهادته للأخر يجر المغنم إلى نفسه، لأنه ينتفع بمال صاحبه، فكان شاهداً لنفسه، ومتهماً في شهادته، ولأن كل واحد منهما يرث الأخر دون حجب، ولأن كلاً منهما ينتفع بيسار الأخر( ).
وذهب الشافعي، والحسن، وشريح، والظاهرية: إلى قبول شهادة بعضهم لبعض، أو عليه ما دام عدلاً، ولأن كلاً منهما عقد على منفعة، فلا يمنع قبول شهادته، كما استدلوا بعموميات الشهادة دون تخصيص( ).
وذهب الثوري، وابن أبي ليلى: إلى قبول شهادة الرجل لامرأته، لأنه لا تهمة في حقه، ولا تقبل شهادتها له، لأن يساره وزيادة حقها من النفقة تحصل بشهادتها له بالمال، فهي متهمة لذلك( ).
ويرى الباحث: أن الأولى الأخذ بما ذهب إليه الجمهور لقوة أدلتهم والله أعلم.
2- أثر المصاهرة على الشهادة.
يرى جمهور الفقهاء: أنه لا تأثير للمصاهرة على الشهادة مطلقاً، فللأصهار أن يشهدوا لبعضهم البعض، لأن تأثير المصاهرة ينحصر في حرمة النكاح فقط، أما في الشهادة فهي بمنزلة الرضاع، أو دونه، فلا يمنع قبول الشهادة( ).
وقال الإمام مالك، وأصحابه: لا تقبل شهادة الصهر لصهره، إلا بشرط التبريز في العدالة، وألا يكون في معيلة صهره المشهود له( ).
ويرى الباحث: أن الأولى الأخذ بما ذهب إليه الإمام مالك رحمه الله تعالى، والله اعلم.
3- أثر الصداقة على الشهادة.
يذهب عامة الفقهاء: إلى قبول شهادة الصديق لصديقه، وذلك لضعف التهمة، كما استدلوا بعموم أدلة الشهادة، ولمثل هذا ذهب الظاهرية، إذ العبرة عندهم بالعدالة( ).
ما عدا الحنفية، والإمام مالك، إذ يرى الحنفية: عدم قبول شهادة الصديق لصديقه إذا وصلت صداقتهما إلى درجة أن يتصرف أحدهما في مال الأخر بلا ممانعة، فإذا لم تصل إلى ذلك الحد فتقبل شهادته.
وأمَّا الإمام مالك فيرى: أن شهادة الصديق الملاطف لصديقه من الشهادات المردودة لما فيها من تهمة جلب المنفعة، إلا إذا كان مبرزاً في العدالة فتقبل شهادته( ).
ويرى الباحث : أن الأولى الأخذ بما ذهب إليه الإمام مالك رحمه الله تعالى،والله اعلم.
4- أثر التبعية على الشهادة
ومن ذلك شهادة الخادم لمخدومة، والأجير الخاص لمؤجره، فيرى فقهاء الشافعية، وأكثر فقهاء الإمامية: عدم قبول شهادة الخادم لمخدومة، والأجير الخاص للمؤجر مستدلين على ذلك بقوله صلى الله عليه وسلم: “لا تجوز شهادة خائن ولا خائنة ولا ذي غمر على أخيه ولا تجوز شهادة القانع لأهل البيت” – والمقصود بالقانع الذي يتفق عليه أهل البيت-( ).
موقف القانون اليمني من التهمة في الشهادة
نص المشرع اليمني في المادة (27) إثبات على أنه: ((1- يشترط في الشاهد ما يلي:ـ
د- أن لا يجر لنفسه نفعاً أو يدفع عنها ضرراً( )
هـ- أن لا يكون خصماً للمشهود عليه
و- أن لا يشهد على فعل نفسه مع مضنة التهمة( )))
والواضح من هذا النص، إن المشرع اليمني يرى: أن جر الشخص لنفسه نفعاً، أو دفعه عنها ضرراً بشهادته، أو وجود خصومة بينه وبين المشهود عليه، وكذا شهادته على فعل نفسه مع مضنة التهمة، جميع ذلك موانع من قبول الشهادة، سواء كان الشاهد قريباً للمشهود له، أو صديقاً، أو خادماً، أو أجيراً، أو صهراً، وسواء كان الشاهد زوجاً، أو زوجة للمشهود له، وهذا ما هو عليه جمهور الفقه الإسلامي، من أن اتهام الشاهد في شهادته سواء لخصومه، أو لجلب نفع، أو دفع ضرر، أو لقرابة أياً كان نوعها، فإن كل ذلك يثير الشك في شهادة الشاهد، ويؤدي إلى عدم قبولها.
الشرط الثاني:ـ ألا يكون الشاهد مجلوداً في حد، أو مجروحاً في عدالة.
ذهب الأحناف: إلى أن الشاهد إذا كان محدوداً في قذف، فلا تقبل شهادته على التأبيد واستدلوا على ذلك بقوله تعالى: (وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاء فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً وَلَا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهَادَةً أَبَدًا) وبما رواه الترمذي من أن رسول الله صلى الله عليه وسلم: ذكر من لم تقبل شهادتهم ومنهم.. “ولا مجلوداً في حد” وبما جاء في رسالة عمر رضي الله عنه إلى أبي موسى الأشعر ما نصه: “المسلمون عدول بعضهم على بعض إلا مجلوداً في حد أو مجرباً عليه شهادة زور” كما أنهم يرون أن رد الشهادة من تمام حد القذف، وأصل الحد لا يسقط بالتوبة، وما هو متمم لا يسقط أيضاً، لأن النهي عن قبول الشهادة معطوف على الجلد، والعطف للاشتراك بين المعطوف والمعطوف عليه، ولما كان المعطوف عليه حداً كان المعطوف كذلك، ومن ثم فإن رد شهادته عقوبة متممة للحد( ).
وذهب الشافعية، والمالكية، والحنابلة، والظاهرية، وبعض الإمامية: إلى قبول شهادة المحدود بحد القذف بعد توبته مستدلين على ذلك بقوله تعالى: (إِلاَّ الَّذِينَ تَابُواْ مِن بَعْدِ ذَلِكَ وَأَصْلَحُواْ فَإِنَّ الله غَفُورٌ رَّحِيمٌ) فالآية استثنت التائب فينصرف الاستثناء إلى الجميع، فيكون تقديره (ولا تقبلوا لهم شهادة أبداً إلا الذين تابوا).كما استدلوا بأن توبة القاذف قبل إقامة الحد عليه تجعل شهادته مقبولة باتفاق الفقهاء، وعليه فإن توبته بعد إقامة الحد عليه تكون اشد تأثيراً في قبول شهادته، واستدلوا بما روي أن عمر رضي الله عنه قال لأبي بكرة حين شهد على المغيرة بن شعبه بالزنا: (تُب وأنا أقبل شهادتك) ولم يُنكر ذلك منكر من الصحابة، فكان إجماعاً على قبول شهادة المجلود في حد القذف بعد التوبة( ).
هذا الخلاف للفقهاء بالنسبة للمجلود في حد القذف، أما المجلود في حد الزنا، أو في حد الشرب، فالمتفق عليه بين الفقهاء قبول شهادته بعد توبته، لأنه بعد التوبة يصير عدلاً، ما عدا الإمام الأوزاعي: فإنه يرى عدم قبول شهادة محدود في الإسلام سواء كان في قذف أو غيره وسواء تاب أو لم يتب.( )
موقف القانون اليمني:ـ
نصت المادة (27) إثبات على أنه: ((1- يشترط في الشاهد ما يلي:ـ جـ- ألا يكون مجلوداً في حد أو مجروحاً في عدالة ما لم تظهر توبته وصلاح عدالته والعدالة هي الصلاح الظاهر في الشاهد)).
والواضح من نص هذه المادة أن المشرع اليمني ساوى بين سائر الذنوب التي تُجرح بها عدالة الشاهد،وبين حد القذف، والزنا، والشرب، فأشترط في الشاهد: ألا يكون مجلوداً في حد سواء كان حد القذف، أو الزنا، أو الشرب دون تفرقة بين حد القذف، وغيره، كما أنه أخذ برأي جمهور الفقهاء من الشافعية، والحنابلة، والظاهرية في قبول شهادة المجلود في حد القذف بعد التوبة، وكذا المجلود في حد الزنا، والشرب، وفقاً لما اتفق عليه الفقهاء.
المبحث الثاني الشروط الواجب توفرها في ذات الشهادة
نتناول في هذا المبحث الشروط الواجب توفرها في ذات الشهادة وفقاً لما ذهب إليه الفقه الإسلامي، والقانون اليمني، وهي ستة شروط: نتناولها على النحول الأتي:ـ
الشرط الأول:ـ أن تكون الشهادة في مجلس القضاء
الشرط الثاني:ـ أن تكون الشهادة في حضور المشهود عليه أو وكيله أو المنصوب عنه
الشرط الثالث:ـ أن تؤدى الشهادة بلفظ أشهد
الشرط الرابع:ـ أن تتقدم الشهادة دعوى شاملة لها.
الشرط الخامس:ـ ألا تكون الشهادة بالنفي الصرف إلا إذا أقتضى الإثبات
الشرط السادس:ـ ألا يُكذب الشهادة الواقع
وفيما يلي بيانها على النحو التالي:ـ
الشرط الأول:ـ أن تكون الشهادة في مجلس القضاء.
يجب أن يؤدي الشاهد شهادته أمام القاضي، وفي مجلس القضاء، وذلك لأن المقصود من الإثبات بالشهادة الحكم بموجبها، والحكم لا يعتبر حكماً قضائياً إلا إذا صدر في مجلس القضاء، ولذا اشترط الفقه الإسلامي في الشهادة أن تكون في مجلس القضاء( ).
موقف القانون اليمني
نصت المادة (41) إثبات على أنه

( يشترط في الشهادة ما يلي:ـ 1- أن تكون في مجلس القضاء))
فالقانون اليمني يكون بهذا النص قد أخذ بما هو عليه الفقه الإسلامي، ووفقاً لهذا النص فإن الشهادة إذا كانت في غير مجلس القضاء، فلا تقبل، ولكن المشرع اليمني قرر على هذا الأصل استثناء في المادة (64) إثبات إذ نصت على أنه: ((إذا كان للشاهد عذراً يمنعه من الحضور جاز أن ينتقل إليه القاضي لسماع أقواله ويدعى الخصم لسماع الشهادة ويحرر محضراً بها يوقعه الكاتب والقاضي)) ونصت المادة (330) إجراءات جزائية على أنه: ((للمحكمة إذا اعتذر الشاهد بعذر مقبول عن عدم إمكانه الحضور أن تنتقل إليه وتسمع شهادته بعد إخطار النيابة وباقي الخصوم وللخصوم أن يحضروا بأنفسهم أو بواسطة وكلائهم وأن يوجهوا للشاهد الأسئلة التي يرون لزوماً لتوجيهها إليه)) كما نصت المادة (59) إثبات على جواز أداء الشهادة امام احد قضاة المحاكم الأخرى، وعليه فإن أداء الشهادة يجب أن يكون في مجلس القضاء سواء أمام المحكمة التي تنظر الدعوى موضوع الشهادة بكامل هيئتها، أم أمام أحد قضاتها التي ندبته لذلك، أو من قضاة المحاكم الأخرى بشرط حضور ممثل النيابة العامة، والخصوم، أو ممثليهم، ما لم فإن الشهادة لا تقبل.
ويرى الباحث: انه يجب على محكمة الاستئناف أن تستدعي الشهود لسماع شهادتهم كونه يشترط للحكم بمضمون الشهادة أداؤها أمام هيئة المحكمة.
الشرط الثاني:ـ أن تكون الشهادة بحضور المشهود عليه أو وكيله أو المنصوب عنه
يشترط الفقه الإسلامي أن تكون الشهادة بحضور المشهود عليه، أو وكيله، أو المنصوب عنه ما لم فلا تقبل الشهادة، ولا يحكم بمقتضاها، وذلك إعمالاً لمبدأ المواجهة بالأدلة كحق للخصم في مواجهة الخصم الأخر، وحتى يتمكن المشهود عليه من الطعن في شهادة الشاهد إن كانت بغير الحق والعدل( ) كما أن أداء الشهادة بحضور المشهود عليه يؤكد للقاضي مدى صحة الشهادة أو كذبها، وذلك من خلال مدى معرفة الشاهد للمشهود عليه وملامحه أثناء أداء الشهادة.
موقف القانون اليمني
نصت المادة (41) إثبات على أنه: ((يشترط في الشهادة ما يلي:ـ 1- أن تكون في مجلس القضاء بحضور المشهود عليه أو وكيله أو المنصوب عنه)) ونصت المادة (170) إجراءات جزائية على أنه: ((عند الانتهاء من سماع أقوال الشاهد يجوز للخصوم إبداء ملاحظاتهم عليها ولهم أن يطلبوا من المحقق سماع أقوال الشاهد عن نقطة أخرى يبينونها)) فالمشرع اليمني أخذ بما أشترطه الفقه الإسلامي كما أنه أعطى للخصم الحق في الاعتراض، والمناقشة، والطعن في الشهادة، تحقيقاً للحكمة التي ابتغاها المشرع من هذا الشرط.
الشرط الثالث:ـ أن تؤدى الشهادة بلفظ اشهد
يشترط جمهور الفقهاء من الحنفية، والشافعية، والحنابلة، والزيدية، والإباضية: أن يؤدي الشاهد شهادته بلفظ “أشهد” دون غيره، فلا تقبل الشهادة بأي لفظ أخر غيره، وإن كان يؤدي معنى الشهادة ويجب أن تكون بلفظ المضارع الحال فيقول: أشهد أن فلاناً فعل كذا، أو أقر بكذا..( )
وخالفهم المالكية في المشهور عندهم، والإمامية، والإمام أحمد في رواية عنه فقالوا: لا يشترط في الشهادة أن تؤدى بلفظ معين بل يصح أداؤها بكل لفظ أو صيغة،كأن يقول الشاهد: سمعت كذا، أو علمت كذا، وذلك لأن مقصود الشهادة هو أخبار القاضي بما تيقنه الشاهد، ولا يتوقف هذا على لفظ معين( ).
موقف القانون اليمني
نصت المادة (26) إثبات على أن

(الشهادة إخبار في مجلس القضاء من شخص بلفظ الشهادة لإثبات حق لغيره على غيره)) ونصت المادة (41) إثبات على أنه

(يشترط في الشهادة ما يلي:ـ 2- أن تؤدى بلفظ اشهد)) فالقانون اليمني بهذا أخذ برأي جمهور الفقهاء إلا أنه قرر استثناء على هذا الأصل في المادة (335) إجراءات جزائية إذ نصت على أنه

(إذا كان المتهم أو أحد الشهود غير ملم باللغة العربية فللمحكمة أن تستعين بمترجم وتسري على المترجمين أحكام الخبراء)). ونصت المادة (337) إجراءات على أنه

(إذا كان المتهم أو الشاهد أبكم أو أصم ولا يعرف الكتابة عين القاضي للترجمة بينه وبين المحكمة من اعتاد مخاطبة أمثاله بالإشارة أو الوسائل الفنية الأخرى)).
لتكملة البحث اضغط على الرابط التالي :